Page 84 - web
P. 84

‫مقالات وآراء‬

‫الوكز الأمني‬

‫انتشـــرت اســـتخدامات نظريـــة الوكـــز علـــى مســـتوى دول العالم فـــي مجالات‬             ‫د‪ .‬عبد الرحمن بن عبد الله الشقير‬
‫الصحـــة والتعليـــم والاقتصـــاد‪ ،‬وكثير من مجـــالات التنمية‪ ،‬وســـارعت أكثر من‬             ‫جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية‬
‫أربعيـــن دولـــة في تأســـيس وحـــدات ترتبط إمـــا بمجالـــس الـــوزراء أو مراكز دعم‬
‫اتخـــاذ القـــرار أو الـــوزراء المعنييـــن‪ ،‬وهي تعمل تحت مســـميات وحـــدة الوكز أو‬                          ‫‪84‬‬
‫الاقتصـــاد الســـلوكي‪ .‬إلا أن القطـــاع الأمني ما يـــزال خارج إطار دراســـات الوكز‪.‬‬
‫تركـــز هـــذه الورقـــة علـــى التعـــرف علـــى بعـــض المجـــالات الأمنية فـــي الوكز‪،‬‬
‫ودورهـــا فـــي الوقايـــة من الجريمـــة‪ ،‬من خـــال التعريـــف بنمـــاذج متنوعة وجد‬

                                           ‫بداخلهـــا وكـــز أمني مباشـــر وغير مباشـــر‪.‬‬
‫ومـــن المهـــم التذكير بـــأن مفهوم الوكـــز ما يزال مـــن المفاهيم الجديـــدة‪ ،‬التي‬
‫تعـــد واضحـــة فـــي القطـــاع الصحـــي والتعليمـــي والاقتصـــادي‪ ،‬نظـــ ًرا لكثافـــة‬
‫الدراســـات حولهـــا‪ ،‬إلا أنه ما يـــزال يلفه الغمـــوض في الاســـتخدامات الأمنية‪،‬‬

                                                      ‫وذلك لثلاثـــة أســـباب‪ ،‬كالتالي‪:‬‬
‫الأول‪ :‬أن الأمـــن ليـــس موضو ًعا مســـتق ًل بذاته مثـــل التعليـــم والصحة‪ ،‬وإنما‬
‫يعـــد نتيجـــة حتمية‪ ،‬إذ يوجد في داخل كل مشـــروع تعليمـــي وصحي واقتصادي‬
‫أو أي مبـــادرات حكوميـــة أو فـــي القطـــاع الخـــاص أو الخيـــري‪ ،‬قضايـــا أمنيـــة‬
‫بالضـــرورة‪ ،‬وذلـــك لأن التفاعـــل الاجتماعـــي والاقتصـــادي ينتـــج عنـــه تضارب‬
‫مصالـــح‪ ،‬وأجنـــدات شـــخصية وحزبيـــة وشـــللية‪ ،‬وبالتالـــي تتحـــول تلقائ ًيـــا إلى‬

       ‫مســـألة أمنيـــة في مجـــالات الفســـاد أو التطـــرف والجريمـــة والانحراف‪.‬‬
‫الثانـــي‪ :‬أن الوكـــز موجـــود قبـــل ظهـــور النظريـــة وبعـــده‪ ،‬ويمكـــن التقاطه في‬
‫التفاصيـــل الصغيرة لســـلوك الأفـــراد والمؤسســـات في الحيـــاة اليومية‪ ،‬وفي‬
‫تنظيمـــات الدولـــة وقراراتها‪ ،‬إلا أن النظرية أســـهمت في تســـليط الضوء عليه‪،‬‬
‫وتأكيـــد أنـــه موضوع قائم بذاته ولـــه مناهجه ونظرياته‪ ،‬وبالتالـــي تعنى النماذج‬
‫المشـــار إليهـــا برصـــد هـــذا النوع مـــن الوكز الأمنـــي للتأكيـــد على أهميـــة إجراء‬

             ‫تجـــارب ودراســـات تح ّدد الوكـــز الأمني فـــي المبادرات غيـــر الأمنية‪.‬‬
‫الثالـــث‪ :‬أن جوهـــر الوكز الأمني يكمن فـــي الوقاية من الجريمة ومن الأســـباب‬
‫المؤديـــة للجريمـــة مثـــل البطالـــة ووقـــت الفـــراغ الكبيـــر وانعـــدام المهـــارات‬
‫الشـــخصية والمواهـــب لكثيـــر مـــن الشـــباب‪ ،‬مـــن خـــال مشـــروعات التنميـــة‬
‫والصحـــة والتعليـــم والترفيه التي تمـــأ الفراغ الاجتماعي للحد مـــن كمية الفراغ‬

                                                   ‫الـــذي تملـــؤه الجريمـــة والانحراف‪.‬‬
        ‫وتعد هذه الورقة بداية إسهام علمي في تركيز مفهوم الوكز في الأمن‪.‬‬
‫صـــدر كتـــاب (‪ )nudge 2008‬لعالـــم الاقتصـــاد البريطاني ريتشـــارد ثالـــر‪ ،‬ويركز‬
‫الكتاب على دراســـة ســـلوك الإنســـان فـــي الاقتصـــاد والصحة والســـعادة من‬
‫خـــال تحليـــل تفكيـــره واتجاهاته نحو الأمـــور الصغيرة وغير المباشـــرة في حياته‬
‫اليوميـــة‪ ،‬وســـماها الوكـــز؛ وذلـــك لأنها مثـــل وخز الإبـــرة‪ ،‬خفيـــف‪ ،‬ولكنه يغير‬
‫فـــي صحـــة الجســـد كله‪ ،‬لذلـــك تترجـــم كلمـــة ‪ nudge‬بالوكـــز والوخـــز والتنبيه‬
   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88   89